النطق جنين ينمو في أحشاء الصمت..فهناك ذكرى قادمة من غد بعيد
الزمن ليس صمتا دائم ، وليس نطقا دائم ، قد أكون ممن يعيش في زمن الصمت ، لذلك دعني أجمل و أمرن و أدرب النطق قبل أن يخرج إليك ناضجا يليق بالزمن الذي اشتد عودة من خلال مواسمه ، ليترك فيما بعد ذكرى من الافتخار ...
فلو كنت أحد تلك الضمائر التي تصنع لها عالما خاصا ، لتمارس هناك الحرية أو الجنون أو الإبداع أو كي تمارس الهروب أو التنفيس أو التغيير أو ....
وتكون قد أحكمت سيطرتها على ذلك العالم عبر تشريعات و قوانين و أنظمة وفق ما يتوافق مع أدواتها لتسير نحو الاستمرار و تسلك طريق التميز ، فإني أشم نفحة من اعتقادي أن بعض الضمائر لن تكتفي بما صنعت من عالم خاص بل سوف تتوسع على حساب غيرها و سوف تهجم على عوالم أخرى لا ترى حقا لأي ضمير آخر في تلك الصناعة ..
فالتفرد المضبوط بإطار معين ، يعني الندرة و ذلك بدورة يؤدي إلى ثمن عالي ...
فسيطرة قلة من الضمائر التي كانت بدايتها تنبض بكل إنسانية ثم تحولت إلى جشع و دكتاتورية لا ترى إلا نفسها بعدما دفنت صمتها تحت أول حجر أساس لصناعة عالمها ، قد أفسر ذلك بأنه عبارة عن ضرب من ضروب حب السيطرة و التملك و الجنون و أخلاط أخرى كثيرة تختلف في مقدارها و وزنها و درجتها ...
تلك الضمائر التي تبدأ نبضا للحياة ثم بعد زمن تتحول إلي أداة لقتل كل حياة
لو كنت مثل تلك الضمائر لأصبحت ممن يحاكي و يوفق ليصنع نظاما مقلداً ، أشبعته البشرية بناء و جنونا و معارك ...
فعنصر التكرار و التقليد في بناء تلك العوالم هو بحد ذاته نقيض للإبداع و التفرد ...
أما تلك الضمائر التي فشلت في إنسانيتها منذ بدايتها ، فأصبحت صامته أمام نفسها ، ناطقة أمام غيرها
المزخرفين لصمتهم و المقنعين لنطقهم بكل ضمير مقنع يهطل مطره لا يسقي و لا يبعث على الحياة بل يبخرونها سريعا قبل الامتصاص كي يكررون تلك الدورة من أقنعة السراب...
فكذبهم تؤام لروح النفعية التي أغدقت عليهم ألوان الطاووس
لكنها حرمتهم مشيته المغمسه بالغرور و الجمال ، فأصبحوا من الداخل كالغربان ، يسرقون المنابع التي تمنحهم مقاما شكله محمود مزركش و جوهرة فاسد يفقأ بمنقاره كل عين للحياة كي تبقى الحقيقة مكبلة بالصمت ...
لو كنت أحد تلك الضمائر سأكون قد ساهمت في زيادة في عدد الكذابين المنتفعين الذين يقتلون الف روح ليستمر نبض الغربان داخل كل ضمير يملك عشا لذلك الجوهر الأسود ...
.
.
لقد كان ذلك التجمل و التمرن مرهقا جدا ..
فقد صنعت عالما له ملامح الحياة ثم تحولت إلى وحش يهوى التوسع و الهجوم ، و ارتديت أقنعه التبرير كي أمارس الصمت داخلي و أزين و ألون كل نطق خارجي يعود علىّ بالنفع ..
تلك الذاكرة لا تستحق الفخر كثيرا
فالصمت سيحفظ لها حق التجربة ..
حقيقة لم أتيقن بعد نوع و ظروف و توقيت زمن النطق ..
و لا أملك القدرة على التحكم بزمن الصمت الممتد و الذي قد أكون فيه ضمير مقلدا يصنع شيئا جميلا ثم يقتل ليتفرد بالجمال أو ضميرا صامت يقتل كي يبدو دائما جميلا ....
أو ضميرا متفرجا يعيش في صمت و يموت في صمت ..
قد تعتبر تلك دبلوماسية تغلف أجوبتي و تعيق حركتها بينما تحاول أنت أن تنتشلها بأسئلتك قبل أن تغرق في بحر الاختلاف
لذلك
آمل أن يصل بي الزمن إليك
لينمو النطق في أحضان الإصغاء
ثم تسجل الأرواح الذكرى القادمة
لتزاحم ذكرى الأمس ....
لتعنون لنفسها بتلك الحكمة الكونية التي تقول :
إن زمن النطق يأتي دائما بعد زمن الصمت ...!
.
.
.
.
مودتي
ساري نهار
